بين الإنجاز والانتكاس.. 351 مليون امرأة وفتاة على حافة الفقر المدقع بحلول 2030
بين الإنجاز والانتكاس.. 351 مليون امرأة وفتاة على حافة الفقر المدقع بحلول 2030
تشير أحدث تقارير الأمم المتحدة إلى أن العالم يمر بمنعطف حرج فيما يتعلق بالمساواة بين الجنسين، فبينما تحققت إنجازات ملموسة في مجالات التعليم والصحة والمشاركة السياسية، تتزايد التحديات التي تهدد بتقويض تلك المكاسب، ومع اقتراب عام 2030، وهو الموعد النهائي لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، تتضح صورة مزدوجة: تقدم واعد يقابله خطر فادح، حيث يتوقع أن تظل 351 مليون امرأة وفتاة عالقات في براثن الفقر المدقع إذا استمرت الاتجاهات الراهنة.
خلال العقدين الماضيين نجحت الجهود الدولية في رفع نسب إكمال الفتيات لتعليمهن، وتراجع معدل وفيات الأمهات بنسبة 40%، وهو ما يعكس تحسناً في الأنظمة الصحية والوعي المجتمعي، كما تقلصت معدلات عنف الشريك الحميم بمقدار 2.5 مرة في الدول التي تبنت سياسات شاملة لمكافحة العنف الأسري، مقارنة بدول لا تزال الحماية فيها ضعيفة.
وإلى جانب ذلك، تضاعف حضور المرأة في مفاوضات المناخ بعد إقرار 99 قانوناً جديداً أو معدلاً لمناهضة التمييز، هذه النجاحات، بحسب المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة سيما بحوث، تمثل خطوات حقيقية نحو تغيير جذري في المجتمعات والاقتصادات.
المساواة رافعة للتنمية
لا تقف المساواة عند حدود الحقوق، بل تمثل أيضاً استثماراً اقتصادياً طويل الأمد، إذ يكشف التقرير الأممي أن سد الفجوة الرقمية بين الجنسين كفيل بتحسين حياة 343 مليون امرأة وفتاة، وانتشال 30 مليوناً من الفقر بحلول 2050، كما يمكن أن يضيف ذلك نحو 1.5 تريليون دولار للناتج المحلي الإجمالي العالمي في غضون أقل من عقد، وأكدت المؤسسات المالية الدولية، مثل البنك الدولي وصندوق النقد، مراراً أن تمكين النساء اقتصادياً يزيد الإنتاجية ويعزز قدرة الاقتصادات على مواجهة الأزمات.
لكن وسط هذه الصورة المضيئة، تظهر مؤشرات مقلقة، فالتقرير يحذر من تصاعد ردود الفعل السلبية ضد حقوق المرأة، وتقلص مساحة العمل المدني، وتراجع التمويل المخصص لمبادرات المساواة، هذه التحديات قد تعصف بما تحقق، خصوصاً أن النزاعات والحروب تضيف أعباءً جديدة. ووفق التقرير، يعيش اليوم أكثر من 676 مليون امرأة وفتاة في مناطق نزاع، وهو أعلى رقم منذ التسعينيات.
تجارب النساء في مناطق النزاعات تؤكد أنهن الأكثر تضرراً، ففي غزة، أغلق ثلث مراكز علاج سوء التغذية للأطفال بسبب القصف والنزوح، في حين تضطر النساء للتنقل في ظروف قاسية لإيجاد مأوى آمن لأطفالهن، وفي اليمن، تشير تقارير برنامج الأغذية العالمي إلى أن واحدة من كل خمس أسر تعيش يوماً كاملاً دون طعام، وغالباً ما تتحمل النساء عبء التضحية بحصصهن الغذائية لصالح الأبناء، وفي السودان، أبلغت مفوضية اللاجئين عن تصاعد الاعتداءات الجنسية ضد النازحات في غياب أنظمة حماية فعالة، وهذه الأمثلة تبرز كيف تصبح المرأة هدفاً مزدوجاً: ضحية للحرب وضحية لغياب الحماية.
تكلفة الفشل
لي جونهوا، وكيل الأمين العام للشؤون الاقتصادية والاجتماعية، لخص المعادلة بقوله إن تكاليف الفشل في حماية حقوق النساء هائلة، لكن المكاسب الممكنة كبرى، فالفشل يعني مزيداً من الفقر، والعنف، وعدم الاستقرار، أما التدخل العاجل، عبر تعزيز التعليم والرعاية الاجتماعية والاقتصاد الأخضر، فيمكن أن يقلص عدد النساء والفتيات اللواتي يعشن في فقر مدقع بمقدار 110 ملايين بحلول عام 2050.
يأتي هذا التحذير في وقت تستعد الأمم المتحدة للاجتماع رفيع المستوى في سبتمبر المقبل لإحياء الذكرى الثلاثين لإعلان ومنهاج عمل بيجين الذي اعتمد في 1995 خطة عمل دولية لتعزيز حقوق المرأة، ورغم التقدم المحقق منذ ذلك الحين، تبقى الفجوات كبيرة في مجالات المشاركة السياسية والتمكين الاقتصادي.
النسخة الجديدة من الخطة، المعروفة بـ"بيجين +30"، تسعى لتجديد الالتزامات وتقديم مسار واضح نحو المستقبل. سيما بحوث أكدت أن هذه الخطة تمثل فرصة تاريخية، داعية قادة العالم إلى اختيار مستقبل "تُكفل فيه حقوق المرأة على نطاق واسع ويتقاسم الجميع ثماره".
بين الأمل والخطر
في ضوء هذه الحقائق، يقف العالم أمام خيارين: إما البناء على الإنجازات ودعم النساء للتنمية والاستقرار، أو التراجع بما يعنيه ذلك من خسائر إنسانية واقتصادية باهظة. الأرقام لا تترك مجالاً للشك؛ المساواة بين الجنسين ليست قضية ثانوية، بل شرط أساسي لتحقيق العدالة والتنمية المستدامة.
وبينما تقترب ساعة الحسم لعام 2030، يبقى السؤال معلقاً: هل يملك قادة العالم الإرادة السياسية والاستثمار المطلوب لإنقاذ نصف سكان الأرض من الفقر والتهميش، أم سيتركون النساء والفتيات يدفعن الثمن الأكبر في عالم تزداد فيه الأزمات؟